Friday, December 21, 2007

مملكة الكويت المتحدة


يدور بين الحين والآخر حديث بين الناس أن هناك "نوايا" لتحويل الكويت إلى مملكة, ولاحظت أن هذا الحديث, سواء أخذ صيغة السؤال أو الترويج, يأتي بنبرة تتضمن بعض الاستياء باعتبار أن الشائع في أذهان الناس هو أن التحول إلى مملكة يعني المزيد من السلطة والبهرجة للشيوخ!
ولست أملك أي معلومات حول هذه المسألة, وفي ظني أنها مجرد إشاعة مثيرة, ذلك أن تاريخ الأسرة الحاكمة في الكويت لا يتلاءم مع هذه الفكرة إطلاقا, كما لا توجد مبررات شخصية لدى الشيوخ, ولا مبررات سياسية يمكن أن يقدمها الشيوخ لتسهيل "تقبل" الناس للفكرة. بيد أن الأمر يستحق المناقشة, فربما يكون للفكرة فوائد, ومن يدري فقد تقود نحو التطبيق السليم للدستور.
كما أن الانشغال "بالملك" قد يكون أجدى من الانشغال "بالحكم"!والواقع أن موضوع التحول إلى الملكية يجب أن يبحث من الناحية الدستورية في المقام الأول.
ومن هذه الجهة نقول إن الكويت "إمارة وراثية" طبقا للمادة الرابعة من الدستور, وقد حظر الدستور في المادة 175 اقتراح تنقيح الأحكام الخاصة بالنظام الأميري, لكن النص استثنى التنقيح المتعلق بلقب الإمارة, أي أنه يجوز أن تتحول الكويت من "إمارة الكويت" إلى "مملكة الكويت".
وبالطبع فإن تغيير "لقب الإمارة" لا يجوز أن يترتب عليه أي تغيير في "النظام الأميري" الذي لا يجوز تغييره مالم يتم تنقيح المادة 175 من الدستور التي تحظر "تنقيح" المواد ذات الصلة بالنظام الأميري!
والآن نتحدث عن المخاوف... إن مجرد التحول من "إمارة" إلى "مملكة" لا يؤثر على النظام الدستوري القائم على مبدأ الفصل بين السلطات, ولا يغير من طبيعته, وكل ما في الأمر أن الملكية قد تستدعي إنفاق الكثير من الأموال لتحقيق التوافق الشكلي لنموذج "المملكة" الذي يستلزم بعض "البهرجة" إضافة إلى تغييرات خاصة بلقب الأمير الذي تتحول البلاد في عهده إلى مملكة .
ومن الناحية السياسية, يمكن القول أن النظام الدستوري الكويتي الحالي هو نظام معد أصلا كي تنتقل البلاد من الحكم الفردي الذي كان سائدا قبل صدور الدستور إلى الحكم الديمقراطي الشعبي, أي النظام المعروف "بالملكية الدستورية" الذي تكون الأمة فيه مصدر السلطات, والأسرة المالكة "تملك ولا تحكم".
ولو تفحصنا مواد الدستور سوف نجد أن "الكلمة الأخيرة" هي لمجلس الأمة. كما تضمنت المذكرة التفسيرية للدستور, والتي اعتبرتها المحكمة الدستورية- ضمنا ومن دون قصد- ملزمة, توجيهات أساسية تتعلق بتقليص صلاحيات الشيوخ, حيث ورد في تلك المذكرة أن عدم وجود نص في الدستور مثل (لا يلي الوزارة أحد أعضاء البيت المالك) أو (أحد من الأسرة المالكة) " يؤدي إلى جواز تعيين أعضاء الأسرة الحاكمة وزراء من خارج مجلس الأمة. وهذا هو الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم نظرا لما هو معروف من عدم جواز ترشيح أنفسهم في الانتخابات حرصا على حرية هذه الانتخابات من جهة, ونأيا بالأسرة الحاكمة عن التجريح السياسي الذي قلما تتجرد منه المعارك الانتخابية من جهة ثانية".
أي أن الدستور يتبنى فكرة تقليص نفوذ الأسرة الحاكمة التي ليس لها, وفقا للدستور, سوى منصبي الأمير وولي العهد فقط. في حين أن منصب رئيس مجلس الوزراء والمناصب الوزارية يمكن إسنادها إلى أي شخص من بين أعضاء مجلس الأمة أو من خارج المجلس, مع ميل الدستور إلى تعيين الوزراء من بين أعضاء مجلس الأمة, أي ليس من بين أعضاء الأسرة الحاكمة! ورغم هذا النص الذي يتيح المجال لمشاركة أعضاء الأسرة الحاكمة في الحكم عن طريق الوزارة, إلا أن المذكرة التفسيرية للدستور حملت توجيها مهما حين قررت أنه يأمل مع الزمن تناقص عدد الوزراء الذين يعينون من غير أعضاء مجلس الأمة, أي أن المذكرة التفسيرية تشير في الواقع إلى أن المأمول مع الزمن هو تناقص عدد الوزراء من أعضاء الأسرة الحاكمة أيضا مقابل تزايد عدد الوزراء من مجلس الأمة.
وهذه المسألة بالتحديد هي التي تضفي على الحكم صبغته الشعبية التي سعى إليها عبدالله السالم رحمه الله لإدراكه حتمية التغيير وحتمية حصول الشعب الكويتي على نصيب أكبر في إدارة شؤون الدولة.
وعلى الرغم من الإخفاق المستمر لتجربة إشراك عدد كبير من أعضاء الأسرة الحاكمة في الوزارة, فإن الإخفاق كان أيضا من نصيب تجربة التوسع في تعيين أعضاء من مجلس الأمة كوزراء, وهي التجربة التي شهدناها بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي الغاشم.
ولعل التحول إلى "مملكة" يسرع الخطى نحو نظام الملكية الدستورية الذي شيده الدستور, ويكون هذا التحول مقدمة لتطبيق روح الدستور وأهدافه العامة. وقد سبق لي أن بينت في مقالات سابقة أن الوضع "الواقعي" الحالي للأسرة الحاكمة مخالف للدستور من جهة أن الأسرة تتمتع بنفوذ سياسي هائل خارج إطار الدستور فهي تهيمن على كافة شؤون الدولة, وأصبحت "الشيخة" بذاتها توفر وضعا سياسيا وليس اجتماعيا فقط. وقد قلت أن هذه الهيمنة هي بمثابة نظام حكم مواز للنظام الدستوري بل و أقوى منه!
ولعله يلزم توجيه سؤال إلى من يؤيد فكرة التحول إلى الملكية من بين الشيوخ, والسؤال هو: هل تريدون نظاما ملكيا أم تريدون تغيير لقب الأمير فقط بحيث يصبح "الملك"؟إن التحول الشكلي لا قيمة له, بينما التحول السياسي إلى نظام الملكية الدستورية قد يحقق فوائد.
فطموح الحكم لدى أعضاء الأسرة الحاكمة, وتحديدا ذرية مبارك, خلق حالة من التنافس السلبي حتى الآن, وهو تنافس قاد ويقود البلاد وحكم الأسرة نحو "مطبات" كبرى, ولو تم التحول إلى الملكية الدستورية اهتداءا بالدستور, فإن هذا التحول يترتب عليه تلقائيا تقلص نفوذ الأسرة وضمور طموح الحكم لدى أبناء ذرية مبارك نظرا لتحولها من أسرة "حاكمة" إلى أسرة "مالكة", أي أسرة تملك ولا تحكم, وبالتالي يؤدي هذا إلى إسناد منصب رئيس مجلس الوزراء والمناصب الوزارية إلى الشعب, فيما تكون المناصب التي تخصص لأعضاء الأسرة, باستثناء منصبي الأمير وولي العهد, مناصب "شرفية"!
أعود فأقول إن قصة تحويل الكويت إلى مملكة هي, في اعتقادي, أقرب إلى "الغشمرة" السياسية التي لا تتوافق مع تاريخ الكويت أولا ولا مع تاريخ الشيوخ. لكن دعونا نطرح هذا السؤال: هل يتقبل الشعب الكويتي فكرة التحول إلى مملكة؟
أعتقد أنه من الصعب "تسويق" الفكرة مالم تكن مقترنة "بمقايضة سياسية" تتنازل الأسرة الحاكمة بمقتضاها عن سيطرتها "الفعلية" على مقاليد الأمور خارج إطار النصوص الدستورية, وتكتفي بما هو مقرر لها في الدستور مضافا إليه اللقب الملكي!
غير أنني أظن أن مثل هذه المقايضة صعبة ولن تتقبلها الأسرة الحاكمة, فقد سبق لها أن رفضت نموذج الملكية الدستورية قبل أن يقر الدستور من قبل المجلس التأسيسي حين طالب الدكتور أحمد الخطيب بتبني هذا النموذج أثناء مناقشة مسودة الدستور. والواقع أن رفض الأسرة الحاكمة لنموذج الملكية الدستورية كان رفضا "عاطفيا" عبر عنه الشيخ سعد العبدالله السالم في رده الغاضب على الدكتور أحمد الخطيب, وكانت الأسرة بالكاد تقبلت فكرة الدستور والانتخابات. بيد أن هذا "الرفض العاطفي الغاضب" لم يمنع الدستور من تبني نظام الملكية الدستورية بصيغة مخففة, لكن الواقع العملي حتى هذه اللحظة منع تطبيق هذا النموذج كما ابتغاه الدستور, وربما تتاح الفرصة لتطبيقه عن طريق تحويل الكويت من إمارة إلى مملكة!
وهناك سؤال آخر له صلة "بالفكرة الملكية" وهو: هل من مصلحة الكويت حاليا توسيع نطاق المشاركة الشعبية في الحكم؟شخصيا اعتقد أنه وإزاء فساد أغلب الطبقة السياسية الشعبية, ما ظهر منه وما بطن, وإزاء وجود تطلعات قوية لدى "فئة" من طبقة تجارية للسيطرة على مفاصل السلطة, وإزاء تفشي "الرشوة السياسية" وشراء المناصب, فإنه من الخطورة القيام بخطوة من هذا النوع, فهذه الخطوة تعني....!

5 comments:

Unknown said...

الفكر روج لها اشخاص لقطب من الشيوخ
ولم تجد الصدي المقبول

فالفكرة موجودة وهي لن تضر ولكن ستوسع السلطة الشعبية ولكن هل المجتمع بثقافته اليوم
يستطيع المشاركة بشكل فعال او ستكون الطائفية والقبلية هي السائدة ؟

Eng_Q8 said...

برافو برافو برافو

اعلق واصفق بصراحه

ممتاز تحليل ممتاز وشامل كل الجوانب وكل ما افكر بشي اتردين عليه تحليل سياسي جميل وبصراحه الموضوع غير محتاج الى تعليق الى الامام يا اختي بس جنج مو مكمله البوست ؟

يعطيج الف عافيه
ترى بحطج بلستت البلوق عندي اوكي

marshmallows said...

mishari

لما سألت دكتوري اهوا دكتور علوم سياسيه قالي ان مجتمعنا مومتقبل الفكره اكثرهم بعد بسبة البحرين لانهم ماشافو تقدم لها من صارت مملكه و الشعب عندنا اهنيا بقبايله و طبقاته و احزابه المخفيه مايصلح ليكون شعب مملكه

هذا كلام الدكتور موكلامي =)

marshmallows said...

eng_q8

اخجلت تواضعي الصراحه ;p

لا اهوا متكمل بس مقطوع اخر شي يعني حركه :D

يشرفني اني اكون بلستت البلوق عندك =)

Eng_Q8 said...

خوش حركه

الى الامام دائما